النمو رحلة يعيشها كل إنسان، سواء في الأعمال أو التعليم أو الصحة أو العلاقات. لكنه لا يحدث بالصدفة؛ بل يمكن قياسه وتحليله وتطويره. وهنا يأتي دور الإحصاء الإيجابي والذي يعرف على انه "الإحصاء الإيجابي هو فرع من الإحصاء التطبيقي يُعنى بقياس، وتحليل، وتفسير العوامل الإيجابية في السلوك البشري، والتنظيمات، والأنظمة الاجتماعية، مع التركيز على ما يُسهم في النمو والتحسن." والذي يمنحنا الأدوات لتحويل البيانات الخام إلى معرفة مفيدة تدفعنا نحو التحسّن والتمكين. إنه ليس مجرد معالجة أرقام، بل طريقة لرواية قصص النجاح والتقدّم من خلال الأرقام والمعطيات.
في عالم ريادة الأعمال، البيانات موجودة في كل مكان من فواتير المبيعات إلى آراء العملاء. بتحليل هذه الأرقام، تستطيع الشركات فهم ما يريده الزبائن فعلًا واتخاذ قرارات مدروسة.
على سبيل المثال، إذا كان متجر صغير يتابع الأصناف الأكثر مبيعًا يوميًّا، سيعرف أين يركز إنتاجه لتلبية الطلب وتقليل الهدر، مما يؤدي إلى زيادة الأرباح. وكما قال رائد الإدارة الحديثة بيتر دراكر: "ما يمكن قياسه، يمكن إدارته."
في التعليم، النمو لا يقتصر على تجنّب الرسوب؛ بل يشمل تحسين الأداء والتعلّم المستمر. عندما يتابع الطلاب تقدمهم بشكل منتظم، يمكنهم اكتشاف أساليب المذاكرة الأكثر فاعلية لكل منهم.
مثلًا، قد يلاحظ طالب أن جلسات المراجعة الجماعية ترفع من استيعابه للمواد وتحسّن درجاته، فيقرر تطبيق هذه الطريقة في بقية المواد الدراسية. مراقبة البيانات التعليمية – كالدرجات ونسب الحضور والتقدّم في المناهج – تساعد الطالب والمعلم معًا في تحديد نقاط القوة والضعف، وبالتالي توجيه الجهود نحو نمو معرفي أفضل.
في قطاع الصحة، البيانات قد تنقذ الأرواح فعليًّا. المستشفيات التي تحلل نسب الشفاء ونتائج العلاجات تكتشف العلاجات الأكثر فاعلية بسرعة أكبر.
خلال جائحة كورونا مثلًا، ساهم تحليل بيانات المرضى على نطاق واسع في تحسين بروتوكولات العلاج ورفع نسب البقاء على قيد الحياة. بعض الإجراءات المنقذة للحياة تم التوصل إليها عبر الأرقام، مما وجّه القرارات الطبية نحو الأفضل.
قد يبدو غريبًا الحديث عن البيانات في العلاقات الأسرية أو الاجتماعية، لكنها تلعب دورًا مهمًا أيضًا. الأسر التي تراقب كيفية قضاء أوقاتها المشتركة تستطيع تحديد العادات التي تقوّي الروابط العائلية.
مثلًا، زوجان يتابعان مدى نمو علاقتهما وتكيفهما مع التغييرات سيلاحظان الأنشطة الإيجابية التي تقرّبهما من بعض وتزيد الرضا المتبادل. بتسجيل هذه الملاحظات، تصبح لدى الأسرة بيانات نوعية تساعدها على تعزيز القوة ومعالجة أي خلل بشكل واعٍ ومدروس.
حتى البيانات البسيطة يمكن أن تقود إلى نمو كبير في العادات الإيجابية.
على سبيل المثال، شخص يتابع عدد خطواته التي يمشيها يوميًّا عبر تطبيق صحي على هاتفه الذكي يرى تقدمه بشكل مستمر، مما يشجعه على التحرك أكثر. رؤية الرسم البياني للخطوات يرتفع يومًا بعد يوم تمنح شعورًا بالإنجاز وتحفّز على الاستمرار.
وكما قال عالم الإحصاء الأمريكي إدوارد ديمينغ: "من دون بيانات، أنت مجرد شخص آخر لديه رأي."
الإحصاء الإيجابي ليس مجرد أرقام ورسوم بيانية، بل هو نظرة شاملة على رحلة النمو والتقدّم في حياتنا. فهو يوضح لنا أين تكمن التحديات، وأين يتحقق النجاح لنكرره ونبني عليه.
إذا كانت الأمور فعلًا تسير في طريق النمو، فإن الإحصاء الإيجابي يساعدنا على أن نفهم كيف يسير هذا النمو، وما الذي يدعمه أو يعيقه. بهذه المعرفة المستندة إلى البيانات، نستطيع الاستمرار في دفع عجلة التطوير إلى الأمام بثقة.
Al-Jassar, A. J. (2025). The Philosophy of Positive Statistics: Scientific and Methodological Foundations for a New Approach in Phenomenon Analysis. Zenodo. https://doi.org/10.5281/zenodo.15549698
Al-Jassar, A. J. (2025). Positive Statistics Guide – A Comprehensive View of Concepts, Tools, and Applications. Zenodo. https://doi.org/10.5281/zenodo.15595354
Al-Jassar, A. J. (2025). Positive Statistics: A Comprehensive and Historical Overview. Zenodo. https://doi.org/10.5281/zenodo.15564840
حول الكاتب: د.مولاي الحنفي عزات - المغرب
أستاذ جامعي وباحث في الإحصاء
نائب المدير العلمي – أكاديمية الإحصاء الإيجابي