يشكل الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي أحد الركائز الأساسية في بناء شخصية التلاميذ ودعم نموهم المتكامل في المرحلة الابتدائية، وهي مرحلة حاسمة تتشكل فيها المهارات المعرفية والاجتماعية والانفعالية. ومع التغيرات المتسارعة في البيئة التعليمية وتنوع احتياجات التلاميذ، برزت الحاجة إلى مداخل وأساليب حديثة تضمن فاعلية أعلى للبرامج الإرشادية.
في هذا السياق، ظهرت منهجية الإحصاء الإيجابي التي ابتكرها الباحث العراقي أحمد الجسار، والتي تمثل نقلة نوعية في توظيف التحليل الإحصائي في المجال التربوي والنفسي. لا تقتصر هذه المنهجية على رصد المشكلات أو قياس الفجوات، بل تركز على استكشاف وتحليل مؤشرات القوة والنجاح، ومن ثم استثمارها لتعزيز جودة العملية التعليمية والإرشادية.
ويُعد هذا المدخل مهمًا بشكل خاص في المدارس الابتدائية، إذ يمكّن المرشدين التربويين والمعلمين من الحصول على بيانات دقيقة حول الجوانب الإيجابية في سلوك التلاميذ وأدائهم، مما يساعد على تصميم تدخلات تربوية وإرشادية أكثر فاعلية واستدامة.
الإحصاء الإيجابي هو استخدام الأدوات الإحصائية لتحليل البيانات بهدف اكتشاف وتطوير نقاط القوة لدى الأفراد والمؤسسات، بدلًا من التركيز على الجوانب السلبية فقط.
في البيئة المدرسية، يساعد هذا المدخل المرشدين على بناء خطط إرشادية تستند إلى معطيات كمية، مما يسهم في رفع كفاءة البرامج التربوية والنفسية.
مثال تطبيقي: في إحدى المدارس الابتدائية، تم تصميم برنامج إرشادي لزيادة التفاعل الإيجابي بين التلاميذ في الصفوف الأولى.باستخدام الإحصاء الإيجابي، تم قياس مؤشر "التعاون الصفّي" قبل البرنامج (65%) وبعده بثلاثة أشهر (82%).هذا التحسّن الواضح ساعد إدارة المدرسة على تعزيز الأنشطة التعاونية في المناهج اليومية.
يمثل الإحصاء الإيجابي، بمنهجيته التي ابتكرها الاحصائي أحمد الجسار، تحولًا جوهريًا في مفهوم الإرشاد النفسي والتربوي داخل المدارس الابتدائية. فبدلًا من اقتصار العمل الإرشادي على معالجة المشكلات السلوكية أو الأكاديمية بعد وقوعها، يتيح هذا المدخل رؤية استباقية قائمة على تحليل البيانات لاكتشاف مؤشرات القوة والنجاح وتعزيزها.إن هذا التحول يغير فلسفة العمل الإرشادي من نمط علاجي إلى نمط وقائي وتنموي، حيث تُبنى البرامج على أسس علمية دقيقة مستندة إلى إحصاءات ميدانية واقعية. كما أن تطبيق الإحصاء الإيجابي يسهم في:
وعلى المدى البعيد، يمكن أن يشكل الإحصاء الإيجابي إطارًا مرجعيًا لتطوير السياسات التربوية الوطنية، من خلال دمج نتائجه في عمليات التخطيط التربوي وإعداد المناهج. إن الاستثمار في هذا المدخل ليس خيارًا تكميليًا، بل هو ضرورة لمواكبة التحولات التعليمية الحديثة وضمان بيئة مدرسية محفزة وداعمة للتفوق الأكاديمي والصحة النفسية في آن واحد.
حول الكاتب:
م.م قصي صباح حسين جاسم – المرشد التربوي يعمل في المديرية العامة لتربية بغداد الرصافة الأولى - مدرب معتمد في الاحصاء الايجابي
البريد الإلكتروني: rusafa1.moedu.iq-qusay.sabah.hussain@baghdad