09 Aug
09Aug
تنويه: هذه المقالة تُنشر ضمن قسم المقالات التثقيفية في أكاديمية الإحصاء الإيجابي، وتهدف إلى التعريف بالعلاقة بين علم النفس والإحصاء الإيجابي بأسلوب مبسط، ولا تمثل دراسة تطبيقية كاملة وفق الدليل الرسمي للمنهجية.

الكاتب: رنا شاكر فضل – ماجستير علم النفس التربوي، خريجة أكاديمية الإحصاء الإيجابي

مقدمة

يعتبر علم النفس، في جوهره، الدراسة العلمية للعقل والسلوك البشري. على مدى تاريخه الطويل، اعتمد بشكل كبير على الأساليب الإحصائية لفهم الظواهر النفسية المعقدة. ومع ذلك، ظهر في الآونة الأخيرة اتجاه جديد يجمع بين مبادئ علم النفس الإيجابي، الذي يركز على نقاط القوة والرفاهية البشرية، والأساليب الإحصائية التقليدية، مما أدى إلى ظهور ما يمكن تسميته "الإحصاء الإيجابي".

ما هو الإحصاء الإيجابي؟

"الإحصاء الإيجابي" ليس مجالاً منفصلاً بذاته، بل هو نهج يطبق الأدوات والتقنيات الإحصائية لتحليل البيانات المتعلقة بالمواضيع التي يركز عليها علم النفس الإيجابي. فبدلاً من التركيز على الأمراض النفسية والاضطرابات (مثل الاكتئاب والقلق)، يهدف هذا النهج إلى فهم وقياس عوامل مثل السعادة، الامتنان، التفاؤل، المرونة النفسية، والتدفق (Flow).

كيف يربط الإحصاء الإيجابي بين الأرقام والمشاعر؟

تكمن العلاقة بينهما في القدرة على تحويل المفاهيم النفسية المجردة إلى بيانات قابلة للقياس والتحليل. إليك بعض الأمثلة على كيفية عمل ذلك:

  1. قياس السعادة والرفاهية:
    بدلاً من الاكتفاء بالوصف الذاتي، يستخدم الباحثون مقاييس إحصائية موثوقة (مثل مقياس الرضا عن الحياة) لتحويل مشاعر الأفراد إلى أرقام يمكن تحليلها. على سبيل المثال، يمكن استخدام الانحدار المتعدد (Multiple Regression) لتحديد العوامل التي تساهم في سعادة الأفراد، مثل الدخل، العلاقات الاجتماعية، ومستوى التعليم.
  2. فهم المرونة النفسية (Resilience):
    المرونة النفسية هي قدرة الفرد على التكيف والتعافي من الشدائد. يستخدم الإحصاء الإيجابي تقنيات مثل تحليل المسار (Path Analysis) لدراسة كيف تؤثر بعض المتغيرات (كالدعم الاجتماعي، والسمات الشخصية الإيجابية) على قدرة الشخص على التغلب على الصعوبات.
  3. دراسة التدفق (Flow State):
    "التدفق" هو حالة ذهنية من الانغماس التام في نشاط ما. من خلال جمع البيانات حول مستوى التركيز، والشعور بالزمن، والمكافأة الداخلية أثناء أداء مهمة معينة، يمكن للباحثين استخدام تحليل العوامل (Factor Analysis) لتحديد المكونات الأساسية لهذه الحالة الذهنية.

أهمية هذا النهج

إن دمج الإحصاء في دراسات علم النفس الإيجابي يمنح هذا المجال مصداقية علمية أكبر. فبدلاً من الاعتماد على مجرد الملاحظات، يمكن للباحثين استخدام الأرقام والبيانات الكمية:

  • لتأكيد الفرضيات: مثل العلاقة بين الامتنان والصحة النفسية.
  • لبناء نماذج تنبؤية: لتوقع من هم الأكثر عرضة للشعور بالرضا عن الحياة.
  • لتصميم تدخلات فعّالة: لفهم التدخلات التي تزيد من السعادة والرفاهية لدى الأفراد.

خاتمة:يمثل الإحصاء الإيجابي الجسر الذي يربط بين عالم الأرقام (الإحصاء) وعالم المشاعر والتجارب البشرية الإيجابية (علم النفس الإيجابي). هذا التكامل لا يعزز فهمنا لما يجعل الحياة جديرة بالاهتمام فحسب، بل يوفر أيضاً الأدوات اللازمة لتنمية هذه الجوانب الإيجابية في الأفراد والمجتمعات. 

لمعرفة المزيد عن الاحصاء الايجابي اقرأ: كتاب فلسفة الاحصاء الايجابي