مقدمة
في منهجية الإحصاء الإيجابي، وهي فرع من الإحصاء التطبيقي يُعنى بقياس وتحليل وتفسير العوامل الإيجابية في السلوك البشري والتنظيمات الاجتماعية، مع التركيز على ما يسهم في النمو والتحسّن، لا يُنظر إلى الفشل كإخفاق نهائي، بل كدليل على التعلّم والتقدّم. تسعى هذه المقالة إلى ترجمة هذا المفهوم بأسلوب حياتي بسيط يقرّب الفكرة من القارئ العام، لتُظهر كيف يمكن للفشل أن يكون جزءًا من معادلة النجاح، لا نقيضًا له.
دعونا نتأمل هذا التساؤل: "نجح في الوصول إلى الفشل، أم فشل في الوصول إلى النجاح؟"قد تبدو الجملة لعبة لغوية، لكنها في جوهرها لعبة حياة قادرة على تغيير المسار بأكمله. فمن أي الفريقين أنت؟
الفريق الأول: فشل في الوصول إلى النجاح
هذا المنظور يرى الحياة كخط مستقيم له نقطة بداية ونهاية واحدة فقط هي النجاح. أي توقف قبل خط النهاية هو هزيمة. إنه صوت داخلي يجعل من الفشل حكمًا نهائيًا، ويحوّل الخوف من الإخفاق إلى قيد يمنعنا من التجربة. حين نعيش بهذا المنطق، نصبح أسرى للخوف أكثر من شغفنا بالهدف، ونفقد القدرة على رؤية الإمكانات المخبأة في الطريق.
الفريق الثاني: نجح في الوصول إلى الفشل
هذا المنظور لا يرى الفشل كنهاية، بل كمرحلة ضرورية ضمن رحلة التحسّن. والسؤال المنطقي هنا: كيف يمكن أن "ينجح" أحد في الوصول إلى الفشل؟الجواب بسيط: لأن الوصول إلى الفشل يتطلّب فعلًا ومحاولة وشجاعة.
الذي فشل قد نجح في أمور كثيرة دون أن يشعر.نجح في الخروج من منطقة الراحة، فالشخص الذي لم يفشل قط، هو في الأغلب لم يحاول بعد.ونجح في تراكم خبرات جديدة، فكل تجربة غير ناجحة هي درس مجاني يعلّمك ما لا يجب فعله في المرة القادمة.ونجح في بناء المرونة الداخلية، تمامًا كما تبني تمارين المقاومة العضلات، تبني التجارب الصعبة القدرة على التحمّل والإصرار.
أن تنجح في الوصول إلى الفشل يعني أنك كنت حاضرًا في ميدان الحياة، تجتهد وتجرّب، بدلًا من الجلوس في المدرجات تراقب وتنتقد. يعني أنك دفعت بنفسك إلى أقصى إمكانياتك، وهذه بحد ذاتها علامة على النمو والتمكين، وهو جوهر النجاح كما توثّقه فلسفة ومنهجية الإحصاء الإيجابي التي ابتكرها الباحث العراقي أحمد جمال الجسّار (2025).
إعادة تعريف القصة
انظر إلى تلك اللحظات التي أسميتها "فشلًا". هل كانت فعلًا نهاية القصة؟ أم كانت فصلًا من رواية أكبر علّمتك شيئًا جديدًا عن نفسك؟فذلك المشروع الذي لم يكتمل، هل فشلت في إنجازه، أم نجحت في تعلّم إدارة الموارد بشكل أفضل؟وتلك العلاقة التي انتهت، هل فشلت فيها، أم نجحت في فهم ذاتك واحتياجاتك بعمق أكبر؟الفرق ليس في الحدث ذاته، بل في القصة التي نرويها لأنفسنا عنه.
الخاتمة
في المرة القادمة التي تواجه فيها نتيجة غير متوقعة، لا تسقط في فخ اليأس. قف بثقة وقل لنفسك: لقد نجحت في المحاولة، نجحت في التعلّم، ونجحت في قطع خطوة أخرى في رحلتي. الفشل ليس عكس النجاح، بل هو جزء لا يتجزأ منه.
حول الكاتب: د.مولاي الحنفي عزات - المغرب أستاذ جامعي ومدرب واخصائي معتمد في الاحصاء الايجابي/ نائب المدير العلمي – أكاديمية الإحصاء الإيجابي